يتيمّز شعر الغزل بقربه إلى القلب، فهو يُعبّر عن مشاعر الحب التي تسكن قلب المُحبّ، فيبيّن عمقها بكتابة الشعر التي تسمح له بالمشاركة بما يعتريه. امتاز شعر الغزل أيضاً بكثرة متابعيه ومُحبّيه على مرّ العصور حتى وقتنا الحالي.
أحلى أشعار الغزلمن جميل ما قاله الشعراء، نُقدّم باقة لكبار الشعراء:
مما قاله جميل بثينة في الغزلفقلتُ: كِلانَا، يا بُثينَ، مُريبُ
وأرْيَبُنَا مَن لا يؤدّي أمانة ً،
ولا يحفظُ الأسرارَ حينَ يغيبُ
بعيدٌ عل من ليسَ يطلبُ حاجة ً
وأمّا على ذي حاجة ٍ فقريبُ
إلى الداراتِ من هِضَبِ القَلِيبِ
إذا حلّتْ بِمصرَ، وحَلُّ أهلي
بيَثرِبَ، بينَ آطامٍ ولُوبِ
مجاورةً بمسكنِها نحيباً،
وما هيَ حينَ تسألُ من مجيبِ
وأهوى الأرضِ عندي حيثُ حلتْ
بجدبٍ في المنازلِ، أو خصيبِ.
فقلت: أتَى الحبِيبُ أخُو الحبِيبِ
أُحبُّكَ أن نزلتَ جبالَ حِسْمى
وأن ناسبتَ بَثنة َ من قريبِ.
بعضُ ذا الداءِ، يا بثينة ُ، حسبي!
لامني فيكِ، يا بُثينة ُ، صَحبي،
لا تلوموا ، قد أقرحَ الحبُّ قلبي!
زعمَ الناسُ أنّ دائيَ طِبّي،
أنتِ، والله، يا بُثينة ُ، طِبّي!
بأشرفَ من قتيلِ الغانيات
فلمّا ماتَ من طَرَبٍ وسُكْرٍ،
رددنَ حياته بالمسمعاتِ!
فقامَ يجُرّ عِطفَيهِ خُماراً،
وكان قريبَ عهدٍ بالمماتِ.
بوادي بَغِيضٍ، يا بُثينَ، سِبابُ
وقلنا لها قولاً، فجاءتْ بمثلهِ،
لكلّ كلامٍ، يا بثينَ، جوابُ.
هُدُوّاً، فهاجَ القلبَ شوقاً، وأنصَبا؟
عجبتُ له أن زار في النوم مضجعي
ولو زارني مستيقظاً، كان أعجبا.
وللصدقُ خيرٌ في الأمرِ وأنجحُ
لتكليمُ يومٍ من بثينةَ واحدٍ
ألذُّ من الدنيا، لديّ وأملحُ
من الدهرِ لو أخلو بكُنّ، وإنما
أُعالِجُ قلباً طامحاً، حيثُ يطمحُ
ترى البزلَ يكرهنَ الرياحَ إذا جرتْ
وبثنة ُ، إن هبتْ بها الريحُ تفرحُ
بذي أُشَرٍ، كالأقحُوانِ، يزينُه
ندى الطّلّ، إلاّ أنّهُ هو أملَح.
وقد تَرَكوا فؤادَكَ غيرَ صاحِ
فيا لكَ منظراً، ومسيرَ ركبٍ
شَجاني حينَ أبعدَ في الفَيَاحِ
ويا لكَ خلة ً ظفرتْ بعقلي
كما ظَفِرَ المُقامِرُ بالقِداحِ
أُريدُ صَلاحَها، وتُريدُ قتلي،
وشَتّى بينَ قتلي والصّلاحِ!
لَعَمْرُ أبيكِ، لا تَجِدينَ عَهدي
كعهدكِ، في المودةِ والسماحِ
ولو أرسلتِ تستَهدينَ نفسي
أتاكِ بها رسولكِ في سراحِ.
مما قاله قيس لبنى في الغزلأقَبِّلُ إثْرَ مَنْ وَطِىء التُّرَابَا
لَقَدْ لاَقَيْتُ مِنْ كَلَفِي بِلُبْنَى
بَلاَءً مَا أُسِيغُ بِهِ الشّرَابَا
إذا نادَى المُنَادِي بکسْمِ لُبْنَى
عَيِيتُ فما أُطِيقُ له جَوَابا
فهذا فعلُ شيخينا جميعاً
أرَادَا لي البَلِيَّةَ والعَذَابَا.
بذي الأَثل مِنْ أَجْرَاعِ بِيشَة َ تَرْقُبُ
نعمْ إنني صبٌّ هناكَ موكَّلٌ
بِمَنْ لَيْسَ يُدْنِيني ولا يَتَقَرَّبُ
ومن أشتكي منهُ الجفاءَ وحُبُّهُ
طَرَائِفُ كَانَتْ زَوَّ مَنْ يَتَحَبَّبُ
عفا اللهُ عن أمِّ الوليدِ أما ترى
مَسَاقِطَ حُبِّي كَيْفَ بي تَتَلَعَّبُ
فَتَأْوِي لِمَنْ كَادَتْ تَغِيظُ حَيَاتُهُ غداة َ
سمتْ نحوي سوائرُ تنعبُ
وَمِنْ سَقَمِي مِنْ نِيَّةِ الحِبِّ كُلَّما
أَتَى رَاكِبٌ مِنْ نَحْوِ أرْضِكِ يَضْرِبُ
مرضتُ فجاؤُوا بالمعالجِ والرقى
وَقَالُوا: بَصِيرٌ بالدَّوَاءِ مُجَرَّبُ
أَتَاني فَدَاوَاني وَطَالَ کخْتِلاَفُهُ
إليَّ فأعياهُ الرقَى والتطببُ
وَلَمْ يُغْنِ عَنِّي ما يُعقِّدُ طائِلاً
ولاَ ما ُيمَنَّيني الطَّبِيب المُجَرَّبُ
وَلاَ نشراتٌ باتَ يغسلني بِهَا
إذَا ما بدَا لي الكوكبُ المُتَصَوِّبُ
وَبَانُوا وَقَدْ زَالَتْ بِلُبْنَاكَ جَسْرَة ٌ
سَبُوحٌ وَمَوَّارُ المِلاَطَيْنِ أصْهَبُ.
فَطَارَ القلبُ مِنْ حذرِ الغرابِ
وَقَالَ: غداً تَبَاعَدُ دَارُ لُبْنَى
وتنأَى بَعْدَ وُدٍّ وأقترابِ
فقلتُ : تعِستَ ويحكَ مِنْ غرابٍ
وَكَانَ الدَّهْرَ سَعْيُكَ فِي تَبَابِ
لَقَدْ أُوْلِعْتَ ـ لا لاقَيْتَ خَيْراً ـ
بِتَفْرِيقِ المُحِبِّ عَنِ الحُبَابِ.
بها كلفاً من كان عِنْدي يَعيْبُها
وكَمْ قائلٍ قد قال تُبْ فعصيتُه
وَتِلْكَ لَعَمْرِي تَوْبَة ٌ لا أتُوبُها
فيا نفسُ صبراً لستِ والله فاعلمني
بِأَوَّلِ نَفْسٍ غَابَ عَنْهَا حَبِيبُها.
تَنَاسَيْتُ لُبْنَى غَيْرَ مَا مُضْمِرٍ حِقْدَا
وَلكِنَّ قَلْبي قد تَقَسَّمَهُ الهَوَى
شتاتاً فَمَا أُلْفَى صبوراً ولا جَلدَا
سليْ اللَّيلَ عنِّي كيف أرعَى نُجُومَهُ
وكيفَ أقاسِي الهَمَّ مُستْخَلِياً فَرْدَا
كأَنَّ هُبُوبَ الرِّيحِ مِنْ نَحْوِ أَرْضِكُمْ
يُثِيرُ فُتَاتَ المِسْكِ والعَنْبَرَ النَّدَّا.
مما قاله كُثيّر عزّة في الغزلبجنبِ الرَّحا من يومها وهوَ عاصفُ
ومرَّتْ بقاعِ الرَّوضتينِ وطرفها
إلى الشَّرفِ الأعلى بها متشارفُ
فما زالَ إسآدي على الأينِ والسُّرى
بحزَّة َ حتّى أَسْلَمْتَهَا العَجَارِفُ.
وإنْ نأتكَ ولم يلممْ بها خرقُ
قَامَتْ تَرَاءَى لَنَا والعَيْنُ سَاجِيَة ٌ
كأنَّ إنسانَها في لجَّة ٍ غرقُ
ثمَّ استدارَ على أرجاءِ مقلتِها
مُبادراً خَلَسَاتِ الطَّرْفِ يَسْتَبِقُ
كأَنّهُ حِينَ مَارَ المأْقَيَانِ بِهِ
دُرٌّ تَحَلَّلَ مِنْ أَسْلاَكِهِ نَسَقُ
وَلِلْعَبِيرِ عَلَى أَصْدَغِهَا عَبَقٌ
كَأَنَّهُ بِجَنُوبِ المِحْجَرِ العَلَقُ
تأرَّجَ الحيُّ إذْ مَرَّتْ بظُعْنِهِمُ
ليلى، ونمَّ عليها العنبرُ العبقُ
تنيلُ نزراً قليلاً وهي مشفقة ٌ
كما يَهَابُ نَشِيشَ الحيّةِ الفَرِقُ.
هَضِيمُ الكَشْحِ طيِّعة ُ العِنَاقِ
كأَنَّ مغارِزَ الأنيابِ منها
إذَا مَا الصُّبْحُ نَوَّرَ لانْفِلاَقِ
صليتُ غمامة ٍ بجناة نحلٍ
صَفَاة ِ اللَّوْنِ طَيّبَة ِ المَذاقِ
مقيلي كلُّ هاجرة ٍ صخودٍ
عَلَى هَوْجَاءَ لاحِقَة ِ الصِّفَاقِ
قضيتُ لبانتي وصرمتُ أمري
وعدَّيتُ المطيَّة َ في بُساقِ
وكم قد جاوزتْ نقضي إليكمْ
من الحززِ الأماعزِ والبراقِ
هلالَ عشيّة ٍ لشفا غروبٍ
تسرَّرَ ليلة ً بعدَ المُحاقِ
إذا ضَمْرِيّة ٌ عَطَسَتْ فَنِكْها
فإنَّ عُطَاسَها طَرَفُ الوِدَاقِ.
وَزَمُّوا إلى أَرْضِ العِرَاقِ جِمَالَها
فَما ظَبْيَة ٌ أَدْمَاءُ واضِحَة ُ القَرَا
تنُضُّ إلى بردِ الظِّلالِ غزالَها
تَحُتُّ بقَرْنيها بَرِيرَ أَرَاكَة ٍ
وَتَعْطُو بِظِلْفَيها إذا الغُصْنُ طَالها
بِأَحْسَنَ مِنْها مُقلَة ً وَمُقلَّداً
وجيداً إذا دانتْ تنُوطُ شِكالَها.
طبنَ العدوُّ لها فغيّرَ حالَها
لو أَنَّ عَزَّةَ خَاصَمَتْ شَمْسَ الضُّحَى
في الحسنِ عند موفَّقٍ لقضى لها
وسعى إليَّ بصرم عزّة نسوة ٌ
جعلَ المليكُ خُدودَهنَّ نَعالَها.
مما قاله قيس بن المُلوّح في الغزلإلى خُرَّدٍ ليست بِسُودٍ ولاعُصْلِ
منعمة الأطراف هيف بطونها
كواعب تمشي مشية الخيل في الوحل
و أعناقها أعناق غزلان رملة
وأعينها من أعين البقر النجل
وأثلاثُهَا السُّفلَى بُرَادِيُّ سَاحِلٍ
وأثْلاَثُها الْوُسْطَى كَثِيبٌ مِن الرَّمْل
وأثْلاَثُها الْعُلْيَا كأنَّ فُرُوعَهَا
عَنَاقِيدُ تُغْذَى بِالدِّهَانِ وبِالغِسْلِ
وتَرمْي فَتَصْطادُ القُلُوبَ عُيُونُها
وأطرافها ما تحسن الرمي بالنبل
زرعن الهوى في القلب ثم سقينه
صبابات ماء الشوق بالأعين النجل
رعَابِيبُ أقْصدْنَ القُلُوبَ وإنَّما
هي النبل ريشت بالفتور وبالكحل
ففيم دماء العاشقين مطلة
بلا قود عند الحسان ولا عقل
ويقتلن أبناء الصبابة عنوة
أما في الهوى يا رب من حكم عدل.
مع الْعذْلِ من لَيْلَى حَرَاماً ولا حِلاَّ
سوى أن حباً لو يشاء أقلها
ولو تبتغي ظلاً لكان لها ظلا
ألا حبذا أطلال ليلى على البلا
وما بذلت لي من نوال وإن قلا
فما يتمادى العهد إلا تجددت
مَوَدَّتُّها عندي وإن زَعَمَتْ أنْ لاَ.
أما كان ينعاها إلي سواكما
ويا ناعيي ليلى بجانب هضبة
فمن بعد ليلى لا أمرت قواكما
ويا ناعيي ليلى لقد هجمتا لنا
تباريح نوح في الديار كلاكما
فلا عشتما إلا حليفي مصيبة
ولامتما حتى يطول بلاكما
وأسلمت الأيام فيها عجائباً
بِمَوْتِكُمَا إنِّي أُحِبُّ رَدَاكُمَا
أظنكما لا تعلمان مصيبتي
لقد حل بين الوصل فيما أراكما.
حذاراً لما قد كان أو هو كائن
وما كنت أخشى أن تكون منيتي
بكفي إلا أن ما حان حائن
و قالوا غداً أو بعد ذاك بلية
فراق حبيب بان أو هو بائن.
عَلَيْكَ نِساءٌ مِنْ فَصيحٍ ومِنْ عَجَمْ
ويا قبرَ ليلى أكْرِمَنَّ مَحَلَّهَا
يَكُنْ لكَ ما عِشْنَا عَلَيْنَا بها نِعَمْ
ويا قبرَ ليلى إنَّ لَيْلَى غريبَة ٌ
بأرضك لا خل لديها ولا ابن عم
و يا قبر ليلى ما تضمنت قبلها
شَبِيهاً لِلَيْلَى ذا عَفافٍ وذا كَرَمْ
ويا قبر ليلى غابت اليوم أمها
وَخَالَتُهَا وَالْحَافِظُونَ لها الذِّمَمْ.
وهلّل للرحمن حين رآني
وأذْرَيْتُ دَمْعَ الْعَيْنِ لَمَّا رَأيْتُهُ
ونادَى بأعْلَى صَوْتِهِ ودَعَانِي
فَقُلْتُ له أين الَّذيِنَ عَهِدْتُهُمْ
حواليك في خصب وطيب زمان؟
فقال مضوا واستودعوني بلادهم
ومن ذا الذي يبقى مع الحدثان
وأني لأبكي اليوم من حذري غداً
فراقك والحيان مؤتلفان
سِجَالاً وَتَهْتاناً ووَبْلاً ودِيمَةً
وسَحّاً وتسْجَاماً إلى هَمَلاَنِ.
المقالات المتعلقة باحلى اشعار الغزل